المزالق العلمية في کتاب مزالق الأصوليين المنسوب إلى الأمير الصنعاني دراسة أصولية ناقدة

نوع المستند : أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول

المؤلف

أستاذ أصول الفقه المساعد بکلية الشريعة والقانون بالقاهرة

المستخلص

ملخص البحث
هذا البحث دراسةٌ نقديةٌ لکتاب مزالق الأصوليين المنسوب لمحمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى سنة 1182هـ. وقد انتقد فيه مؤلفه علم الأصول وعلماءه، وفي رأيه أن الفن قد شحن بعدة مقالات تعز معرفة الحق معها؛ ومن مزالق الفن: اختلال کثير من قواعده، وهذا نقدٌ جملي، والنقد الجملي لا يقبل، لأنه يشکِّک في جميع قواعده؛ إذ کل قاعدة يحتمل أن تکون هي التي يقصدها المؤلف، ثم هذا يتنافى مع مقدمته في مدح هذا العلم، ثم ماذا قدَّم هو لتلافي هذا الخلل الذي يراه، وکتابُه في الأصول على غرار جميع الکتب في التعاريف والاهتمام بالحدود والرسوم والتقسيمات والاستدلالات التي يراها مضيعة للوقت والجهد ولا توصل إلى حقيقة.
وانتقد تقريب العلم بمختصرات عارية عن الأدلة، وليس هذا بسديد؛ فکتب الأصول منها المطول، والمختصر، والمتوسط بينهما، ولکلٍّ طلابُه والمشتغلون به، فهم مراتبُ، منهم المبتدئ الذي هو في مرتبة النقل والرواية لما في کتب الأصول، ثم مَن هو في مرتبة الفهم والدراية لما تشتمل عليه مسائل الأصول من معان، وآثارها، وما يتخرج عليها، ومنشأ الخلاف فيما فيه خلاف، ثم مَن هو في مرتبة التطبيق والرعاية، وهؤلاء تحققوا بالمعاني الأصولية عملا، ولکل مرتبةٍ شروطُها وما يناسبها من مصنفات، ولا ندري ماذا ينتقد صاحب المزالق من کتب الأصول بالتحديد، وقد صرَّح بانتقاد جميعها في قوله: "ومن مزالق الفن: ذِکْرُ مسائلَ عديدةٍ ليس لها دخلٌ في شيء أصلا، إنما مجرد إضاعة وقت، وهذا من أول الکتب المدونة إلى آخرها". ومعناه أن کتب الأصول من رسالة الشافعي إلى ما کُتب في عصره بدأ مختلا مشوبًا بالمزالق مضيعًا للوقت قليل الفائدة، بل في کثير من الأحيان صارف عن المقصود، کالاهتمام بالتعاريف، والتدقيق في العبارات، وذِکْر طرف من مقدمات العلوم من قواعد عقلية، وذِکْر مسائل کالتکليف بالمحال، وواضع اللغة، وقد بينت في البحث مدى أهمية هذه المسائل لا في الأصول فقط، بل في التفکير الموضوعي، وآداب البحث والمناظرة، والقواعد الحاکمة للاستدلال والاعتراض، وکيفية الجواب.
وقد انتقد ما لا علاقة له بالأصول کالکشاف للزمخشري، وشرح الجامي على کافية ابن الحاجب وشروحها، وحمل الأصوليين ما لا يعجبه فيها، ومع ذلک لم يوفق فيما عرض.
وقد أنکر حجية القياس، وأن الموجود في کتب الأصول تقعيدًا غيرُ الموجود في کتب الفقه تطبيقًا، وقد أبنت أن جميع أنواع القياس ذکرها الأصوليون، وأن جميع ما في کتب الفقه من أقيسة له تمثيل في کتب الأصول، والمطلوب تحديد المفاهيم، وتحرير المراد تضييقًا وتوسعة لمعنى القياس، وما يُقبل وما لا يُقبل، وشروط کلٍّ.
وقد أنکر الإجماع، بل  صرَّح أن الاستدلال به باطلٌ؛ لتوقُّفه على أرکانٍ لا يمکن تحققها، وقد أطلت في بيان فوائد الإجماع، وإمکان تحققه بما يکفي لبيان خطأ مدَّعاه، وأوردت من کتابه سبل السلام حکايتَه لإجماعات کثيرة مُعْتَمِدًا إياها.
وبالجملة فقد أثَّر موقفه من علم الأصول على منهجيته في البحث والنظر؛ فاستدل بما لا يصلح دليلا، بل يکر على هدم جميع العلوم، کاستدلاله بأن أبا ذر وسلمان الفارسي کانا لا يعرفان دلالة المطابقة والتضمن والالتزام، وأن ابن عباس لم يکن يعلم الکلي والکلية والجزئي والجزئية، ويکفي في الرد على مثل هذا مجرد حکايته، وأنه افتراءٌ على الصحابة، فقد کانوا يعلمونه بالسليقة ويراعونه تطبيقًا.
وقد أدخل في العلم ما ليس منه، ککلامه في العمل بالعلم، وطريق تحصيل البکاء عند سماع القرآن، وهذا من علم السلوک، وليس من الأصول.
وأخرج من الأصول ما هو منه کالمسائل التي أنکرها، وأنکر آثارها الأصولية، کالکلام النفسي، وخطاب رسول الله r للواحد هل هو عام أو ليس بعام؟ ومسألة الخلاف في المفهوم له عموم لا يتحقق أم لا؟
وقد استدل بعدد من الأحاديث الضعيفة والواهية کحديث: ((إن من العلم جهلا))، وحديث: ((حبک الشيء يعمي ويصم)). وقد استدل بحکاية منام على تقرير المعاني والأحکام، وفي هذا ما فيه من الخلل في الاستدلال أنه لم يقدم لنا بديلا موجودًا، وإنما يأتي بکلام مجمل، بل مغرق في الإجمال في نهاية "مزالقه" عن القدر المحتاج إليه في علم الأصول.