النقود الورقية بين المثلية والقيمية "دراسة تطبيقية في إطار السياسة النقدية الشرعية والوضعية"

نوع المستند : أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول

المؤلف

مدرس الفقه العام بكلية الشريعة والقانون بطنطا

المستخلص

يعالج البحث قضية مهمة تتعلق بواقع الناس، وهي مسألة " النقود الورقية بين المثلية والقيمية ". وتكمن أهميتها في استعمالها مقياسا للقيم، وواسطة للتبادل، وأداة للادخار ومستودعا للثروة، ومعيارا للمدفوعات الحالة والآجلة، وعاملا مهما في الصفقات التجارية والعمليات الاقتصادية. تُدفع مهرًا، وثمنًا، وأجرًا ، وديةً، تدخر وتملك، وتنمى وتستهلك، وهي وسيلة سهلة لعملية التداول المباشر في الأسواق، من خلال تبديل النقود بالسلع والخدمات المختلفة لتأمين حاجات الناس ورغباتهم.
ولما كانت النقود الورقية بهذه الأهمية: جاء هذا البحث ليلقي الضوء على قاعدة المثلية والقيمية عند التعامل بالنقود الورقية، هل يكون الرد بالمثل أو بالقيمة؟
وقد خلص البحث إلى جملة من النتائج ألخصها في ما يلي:
1- النقود الورقية: هي أوراق البنكنوت التي تصدرها المصارف المركزية، وهي نقود اعتبارية فيها ‌صفة ‌الثمنية كاملة، وهي ‌نقد ‌قائم ‌بذاته له حكم النقدين من الذهب والفضة.
2- القول بثمنية النقود الورقية وعدم حصر الثمنية في النقدين: هو الموافق لروح الشريعة الإسلامية القائمة على مراعاة مصالح العباد.
3- المال المثلي: ما يوجد له مثل في الأسوق، بحيث يمكن أن يقوم بعضه مقام بعض، بلا تفاوت بين أجزائه يعتد به. والقيمي: ما لا يوجد له مثل في السوق، أو يوجد لكن مع التفاوت المعتد به في القيمة.
4- قد ينقلب المال المثلي قيمياً، وقد ينقلب المال القيمي مثليا في حالات معينة، وإذا تعذر وجود المثلي أو انقطع: وجبت قيمته.
5- اختلف الفقهاء في إخراج زكاة الفطر بين المثلية والقيمية، حيث يرى جمهور الفقهاء أنها تجب في أنواع الطعام من القوت، ويرى أبو حنيفة ومن وافقه أن إخراج القيمة أولى، ويرى بعض الفقهاء التفصيل في ذلك.
6- مسألة إخراج زكاة الفطر من مسائل الخلاف التي يجوز الأخذ فيها بأيٍّ من الأقوال، فمُخرِج الزكاة على أي قول من الأقوال مأجور على كل حال، ومقبول منه؛ متى رأى المصلحة في أي قولٍ اتبعه، أو رأيٍ سلكه.  
7- يجوز إقراض كل ما له مثل، كالمكيل والموزون والمعدود، والواجب حينئذ رد مثله، فإذا أقرضه ذهبا أو فضة: وجب رد مثله سواء بسواء. أما المال القيمي فقد اختلف الفقهاء في حكم إقراضه، حيث يرى جمهور الفقهاء جوازه، بينما يرى الحنفية عدم الجواز.
8- يترجح القول بجواز القرض في المال القيمي، كجوازه في المال المثلي؛ لعموم الأدلة التي لم تفرق في القرض بين المال المثلي وغيره.
9- اختلف الفقهاء في ما يجب على المقترض وقت سداد القرض، إذا تغيرت قيمة النقود ارتفاعا وانخفاضا، والذي تطمئن إليه النفس: أن الرد يكون بحسب ما يتفق عليه الطرفان يوم القبض؛ فهو أقرب إلى الرضا وتحقيق العدالة، فيكون الحكم بما توافقا وتراضيا عليه: أسلم وأوْلى وأرفق وأعدل؛ وأبعد عن التنازع والغبن.
10- يجوز أن يرد المقترض أفضل مما يستلف إذا لم يُشترط ذلك عليه، لأن ذلك من باب المعروف.
11- من اشترى شيئا شراء صحيحا: لزمه الثمن إلا في مسألة واحدة: وهي المضطر يشتري الطعام بثمن معلوم، فإنه لا يلزمه الثمن؛ لأنه كالمكره، وإنما تلزمه قيمته. وفي وجه آخر: يلزمه الثمن المسمى.
12- المال المغصوب إذا كان مكيلا أو موزونا، تتماثل أجزاؤه، وتتقارب صفاته، كالدراهم والدنانير والحبوب والأدهان: يُضمن بمثله بغير خلاف؛ لأن المثل أقرب إليه من القيمة.
13- إذا لم يكن المال المغصوب مكيلا أو موزونا، وهو العروض الغير متقارب الصفات، فالرد فيه يكون بالمثل أو بالقيمة على خلاف بين الفقهاء، والذي أميل إليه أن الأخذ بالقيمة أوْلى في العروض الغير متقارب الصفات؛ لتعذر المماثلة، وهي أسلم الطرق وصولا للحق والعدل وبعدا عن الجوْر والظلم.
14- من أتلف مالاً لغيره: وجب عليه ضمانه برد مثله إن كان مثليا؛ لأنه المثل صورة ومعنى، أو قيمته إن كان قيميا؛ لأنه مثله معنى، وهذا يدل على مشروعية التعويض وضمان المتلفات؛ حفاظا على أموال الناس وممتلكاتهم.