أثر المناخ في الأحكام الفقهية

نوع المستند : أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول

المؤلف

أستاذ الفقه العام وعميد كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالدقهلية

المستخلص

يناقش هذا البحث مدى تأثر الأحكام الفقهية بالظروف المناخية من العبادات والمعاملات وكذلك أحكام الأسرة والحدود والقضاء.
فالفقه الإسلامي أحكامه تتجاوب مع الظواهر الجوية والكونية فنجد الحكم الفقهي إن كان قاطعاً فاستجابته للعوامل الجوية بما يتناسب مع ذلك القطع فلا يتأثر الحكم من حيث البقاء وعدمه وإنما الأثر يكون في التقديم والتأخير والكثرة والقلة كما سنرى في أحكام العبادات من صلاة وصيام وزكاة وتأثر الصلاة تقديماً وتأخيرا وجمعاً لكن لا تتأثر الصلاة بالحذف والإلغاء لأجل مثل هذه الظواهر والصيام حينما يطول وقته فلا أثر للظواهر الجوية عليه ولكن إن تتابع الليل دائماً لفترة طويلة أو تتابع النهار دائماً لفترة طويلة فإن الحكم يتأثر بهذه الظواهر دون تأثيرها على مبدأ الصيام بالحذف والإلغاء بل يقدر له قدره للشواهد في ذلك،
وكذلك تأثر الزكاة بمدى كثرة المطر وقلته وكونه بمياه الراحة فتزداد نسبة المخرج للفقراء من الزكاة أو قلة المطر واعتماد الزارع على المياه التي يحصلها بتعب ومشقة فتقل النسبة المخرجة للفقير، وإن كان تأثر الزكاة بالرياح الشديدة أو غمر الماء للأرض فتلف الزرع فإن المطالب به المزارع من إخراج الزكاة مرتبط بمدى ما ينتجه فإن قل الإنتاج عن نصاب الزكاة فلا شيء عليه وهنا لم تلغِ الظواهر المناخية فريضة الزكاة وإنما شروط الإخراج لم تتحقق وأهمها اكتمال النصاب، بل إن الجائحة إن تأثر بها الشخص يمكن أن يكون في هذه الحالة من المستحقين للزكاة على الأقل في العام الذي حدث له فيه ظرف طارئ ولم يكن له فيه دخل فيستحق الزكاة حتى يصيب سداداً من عيش أو قواماً من عيش.
وفي مجال المعاملات إن كان هناك استحالة دائمة في تنفيذ الشخص لما تعاقد عليه كأثر لظاهرة مناخية أو قوة قاهرة أو جائحة فإننا ننظر إلى تحلل المتضرر من التزامه الذي لم يكن له فيه ذنب مع قيامه برد ما أخذه من الطرف الآخر حتى لا نصلح ضرراً على حساب تضرر الآخر فلا ضرر ولا ضرار مع الرجوع على المتسبب في هذا الظرف إن كان ثمة تدخل بشري فيه، وإن كان الالتزام مما يمكن أداؤه في وقت متأخر عن وقت الالتزام الأصلي فمن المندوب التراحم بين الخلق وتقدير مثل هذه الظروف بإرجاء المدين فترة من الوقت يمكنه فيها الأداء بما وجب عليه من حقوق تجاه الآخرين، وإن كان الالتزام ديناً نقدياً فإما أن يؤثر على المدين لانتظاره محصولاً ما فجاءت الجائحة فأثرت عليه فهنا ينظر لحين ميسرة، أو يندب للدائن التخفيض له من الدين شريطة قيامه بسداد الباقي، وإن كان المدين مماطلاً فهنا تأتي الاجتهادات  الفقهية لكيفية تعويضه لمن مطله.
وإن كان الحكم متعلقاً بصورة من صور الأحوال الشخصية كالأمراض التي تحول دون وصول الزوج لزوجته بالمتعة فإننا ندير عليه السنة كاملة بفصولها الأربعة ومناخها المتغير حتى نكون قد أعطيناه الفرصة كاملة للإبقاء على حياته الزوجية دون تكدير صفوها، وكذلك مجالس الحكم والقضاء، وإننا في هذا البحث نعالج هذه الأحكام كصورة من صور إظهار جمال الشريعة التي لم تترك شيئاً نافعاً للإنسان إلا ويسرته له.