كلمة العدد

نوع المستند : أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول

المؤلف

مفتي جمهورية مصر العربية

المستخلص

 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد:
فإن أحكام الشرع الشريف ومقاصده المنيفة تتلاقى مع القيم الفاضلة وتتكامل مع الأخلاق الحسنة؛ فمحلُّ موضوعهما ضبط الإنسان وما يصدر عنه من أعمال وسلوكيات من أجل أن يكون صالحًا لا طالحًا فاسدًا، وأن يكونَ عاملَ بِناءٍ ونفعٍ لنفسه ولغيره لا أداة لهدم أو فساد أو فوضى.
إن تهذيب النَّفس وتقويمها بالقِيم وانضباطها وفق أحكام الشرع الشريف يزيد من كمالاتها ويَبعثُ للخير المُودَع في فِطرتها، ولذا جعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصل رسالة الإسلام إكمالَ ما يحتاجه الإنسان من محاسن الأخلاق ومكارمها، ففي الحديث: «بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الْأَخْلَاقِ» (موطأ الإمام مالك/ 8)، بل جعل صلى الله عليه وآله وسلم حسنَ الأخلاق ومكارم الصفات هي المُعوَّل في صحة الانتساب إليه في الدنيا وفي الآخرة؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ أَحَبَّكُمْ إليَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا" (سنن الترمذي/ 2018).
كما أن الأحكام الشرعية المعيار المنضبط للأعمال الصالحات؛ ومراعاة الإنسان لها في جميع أقواله وأفعاله وسلوكياته مما يجعله يسير على مقتضى الحكمة المانعة من الوقوع في الخطأ والظلم والفساد، فإن الفطرة تزداد بمتابعة الأحكام الشرعية رسوخًا، وينسحب أثرها الإيماني على القيم والأخلاق فيردها إلى فضلها وأصولها ثم يهديها إلى أحاسنها وكمالاتها، وقد امتنَّ الله تعالى على الأمة المحمدية بقوله في شأن رسوله الأمين صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 151].
وجملة هذه المعاني تؤكد على طبيعة العلاقة بين الأحكام الشرعية والقيم والأخلاق وأنهما معًا يمثلان الرباط المعنوي الساري بين أفراد المجتمع الذي متى فُقِدَ تفكك المجتمع وتصارع أفراده وانهار نظامه العام؛ فهي علاقة لا يُتصور انفكاك بعضها عن بعض؛ بل هي تمثل الكل مع أجزائه في صورة بناءٍ حقيقيٍّ تتعاضد فيه كلُّ العناصر وتتساند كل المجالات، فالقيم والأخلاق مرتبطة بالعقيدة والعبادات، وتسري في المعاملات، ويمتزج خلالها المثالي بالواقع العملي، ويسير سياجها القطعي مع المرونة في المضمون بطريقة حكيمة متكاملة لا متناقضة ولا متعارضة.
وجملة هذه الدلالات متضمنة في أبحاث هذا العدد (53) من مجلة دار الإفتاء المصرية، فنطالع فيه بحثين من الأبحاث العلمية:
فالأول بعنوان: "أحكام ترشيد المياه في الفقه الإسلامي -دراسة فقهية مقارنة"، وقد تناول دراسةَ وبيان الأحكام والضوابط الشرعية للاستخدام الأمثل للمياه، مع بحث حقِّ الدولة في تقنين نظام ترشيدها بما يحافظ عليها وعلى تنميتها باعتبارها ضرورة من ضروريات الحياة.
والثاني تحت عنوان: "الأحكام الفقهية المتعلقة بالمحتوى الساخر"، حيث تناول بالرصد والدراسة الشرعية أحد أهم الظواهر الاجتماعية والمستجدات على الساحة الإعلامية على تنوع مجالاتها، والمتمثلة في المحتوى الساخر، مع بيان مجالاته المشروعة من غير المشروعة، وبحث المسئولية الشرعية والقانونية على صانع المحتوى، وطرح الحلول الشرعية والعملية والتي إذا تمت مراعاتها انعكست إيجابًا على استقرار المجتمع والمحافظة على الذوق العام.
ولا شك أن تناول مجلة دار الإفتاء المصرية لهذه النوع من الأبحاث الذي يُعَمِّق الربط بين جوانب الأحكام الشرعية وأصول القيم وأمهات الأخلاق مع تشعب المجالات وتعدد أفعال المكلفين وتنوع مقاصدهم وأغراضهم يُعدُّ صفحة من صفحات تجديد الخطاب الديني.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين،،
                                                                                   أ. د/ شوقي علَّام
                                                                               مفتي جمهورية مصر العربية