كلمة العدد

مقدمة العدد الخمسين من مجلة دار الإفتاء المصرية
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:
فهذا هو العدد الخمسون من مجلة دار الإفتاء المصرية، والتي طالما راعينا فيها تفعيل الدور الحيوي الذي تضطلع به الدار، والتي تقود قاطرة تجديد الخطاب الديني ونشر المنهج الوسطي، ومواكبة المستجدات التي تطرأ على المجتمع، والاهتمام بالقضايا الوطنية والدولية والتي لها تأثير مباشر أو غير مباشر على ما يمس الشأن الإسلامي عامة والمصري خاصة.
وقد نوقش في ثنايا هذا العدد قضية التضخم النقدي، والذي أصبح من المصطلحات الشائعة في الفترة الأخيرة، نظرًا للأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تجتاح كثيرًا من دول العالم، وكان عنوان البحث: التضخم النقدي في ميزان الفقه الإسلامي المفهوم والأسباب-الآثار والعلاج، وقد عالج هذا البحث قضية التضخم، وأثره على الأحكام الفقهية، ومن أجل هذه الغاية تناول البحث أسباب التضخم، وارتباطه بالقضايا الفقهية المتعلقة بإخراج الزكاة، مثل إخراج القيمة بدلًا من السلعة، ولذا تناول البحث مسألة هل تُعامل الأوراق النقدية كالذهب والفضة أم تُعامل كالسلع التجارية مع ما يترتب على كل منهما من نتائج، ومعرفة الآثار الفقهية المرتبطة بالتضخم قد قادت إلى تصور طرق العلاج.
ويأتي البحث الثاني ليناقش قضية الاجتهاد المصلحي، الذي بات ضرورة يقتضيها واجب الوقت، ومسَّت إليها الحاجة نظرًا للتطور الكبير الذي يحدث على كافة الأصعدة في حياة المجتمعات، فكان عنوان البحث: الاجتهاد المصلحي عند الشاطبي وأثره في الشأنين الاجتماعي والاقتصادي؛ إذ الإمام الشاطبي يعد مؤسس علم المقاصد، وهو العلم الذي يتوخى تحقيق المصالح ودرء المفاسد، والتي تتغير مقتضياتها المتعلقة بأحوال الزمان والمكان والأشخاص، ويتناول هذا البحث الاجتهاد المصلحي في فكر الإمام الشاطبي القائم على الوسطية، وهي الصفة التي تميزت بها الشريعة الإسلامية.
وأما البحث الأخير فيُبرز الصلة الوثيقة بين علم أصول الفقه وعلمي الحديث والفقه، فيسلط الضوء على قضية أصولية ثار الخلاف فيها، وهي قضية الاحتجاج بالحديث المرسل، فكان عنوان هذا البحث: الخلاف الأصولي في الاحتجاج بالمرسل والآثار المترتبة عليه.
ومن الضروري الوقوف على حقيقة الحديث المرسل؛ حيث إن نظرة الأصوليين تختلف عن نظرة المحدثين في ذلك، فإن المرسل عند الأصوليين يشمل كل الانقطاع في السند بخلاف المرسل عند المحدثين، فإنه يختص بما سقط منه الصحابي فقط؛ لذا كانت نظرة الأصوليين أعم من نظرة المحدثين في ذلك، وقد تناول البحث الآثار الفقهية التي ترتبت على هذا الخلاف في الاحتجاج بالحديث المرسل والعمل به.
إن مثل تلك البحوث الراقية الدقيقة المؤصلة، لتمس بشكل واضح، ورؤية وسطية قضايا تشغل حيزًا كبيرًا من تفكير المسلمين، فحقيق أن يطلع عليها الباحثون المعنيون بالبحث الفقهي عسى أن ينتفعوا بها وأن ينفعوا غيرهم.
وإننا نقدم للقراء الكرام هذه البحوث الثلاثة لتكون إسهامًا لمجلة دار الإفتاء المصرية في إثراء المعارف الشرعية لدى عموم المسلمين ولدى المتخصصين على حد سواء، وتأكيدًا على مرونة الفقه الإسلامي ووفائه بحاجات هذا العصر من النوازل والوقائع والمستحدثات.
والله من وراء القصد، والحمد لله رب العالمين
الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام.
مفتي جمهورية مصر العربية