کلمة العدد

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام على سید الخلق أجمعین سیدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى یوم الدین.

أما بعد: فإن مجلة دار الإفتاء المصریة والتی مر على تأسیسها أعوام قلائل ما تزال یوما بعد یوم تؤکد على ریادتها وتألقها بجودة ما تقدمه للقراء من أبحاث رصینة ودراسات جادة، غیر منفصلة عن واقع الناس المعیش، ودائما ما تأتی بحلول واجتهادات وفتاوى تعالج المسائل المستجدة معالجة تتوافق مع مقاصد الشریعة الإسلامیة، وتحقق للأحکام فاعلیتها فی أرض الواقع، وتیسر على الناس معرفتها والاستفادة منها والالتزام بها.

إن قیام مؤسسات الدولة بدورها فی الدعوة إلى الدین والإفتاء فیه، وتنظیم حرکة الوعی داخل المجتمع المسلم، لهو جدیر بسد الثغرة، ووقف حالة التخبط والعشوائیة التی یشغلها النابتة، الذین دعوا الناس للتطرف والعصیان والتمرد لهدم النظام، مما یؤدی إلى تهدید الأمن المجتمعی کله، وإن رسالة الإسلام هی الشریعة الخاتمة الکاملة التی وضع الله عز وجل فیها مقومات المرونة والتجدید والنجاح والفاعلیة، ولکن کل ذلک شریطة أن یقوم أولو الأمر من العلماء فیها بدورهم وواجب وقتهم من الاجتهاد والاستنباط وفقه الواقع ومراعاة المآلات والمقاصد.

إن سعادة الإنسان وصون کرامته وحصول الأمن والحریة والإنسانیة فی مجتمعه؛ رهن بحسن الفهم وتعقل الأمور، ووضعها فی نصابها، وذلک یکون بالتأسیس للعقلیة الفارقة التی طالما تحدثنا عنها، تلک العقلیة التی یحرص الأزهر بمنهجه وطریقته على بنائها، وإن العقلیة الفارقة ضرورة فی شخصیة المجتهد والمفتی والعالم؛ لأن فهم الدین محرِّکٌ لا یمکن تجاوزه فی بناء المجتمعات والحضارات وتحدید فلسفة الحیاة بین الناس.

ونحن إذ نقدم الیوم العدد السابع والثلاثین من تلک المجلة الرائعة نعرض للقارئ ما جاء فیها من أبحاث، فالأول : "الصناعات الحدیثة المختلطة بالنجاسات دراسة فقهیة تطبیقیة مقارنة". وفیه یعالج الکاتب قضیة الصناعات الغذائیة وما یضاف فیها من مواد مستخلصة من المحرمات أو النجاسات، کالخنزیر والخمر والکحول والدم والمیتة، وکذلک ما یجری فی صناعة الأعلاف.

والثانی: "انتفاء الماهیة بین الإطلاق والتقیید وأثره فى التقعید الأصولى دراسة منطقیة أصولیة". وهو بحث أصولی یناقش قضایا منهجیة ومنطقیة تتعلق ببیان الفرق بین نفى التقیید وتقیید النفى، شروط القید المعتبرة فى نفى التقیید، ومعرفة دلالة ذلک النفى ، وما یفیده انتفاء الماهیة المطلقة ، وأثر ذلک کله على الأحکام الشرعیة.

والثالث: "سد الذرائع عند الأصولیین وتطبیقاته فی مجال القضایا الطبیة المعاصرة". ویناقش فیه الکاتب قضایا معاصرة فی غایة الأهمیة من ناحیة ضرورة معرفة حدود الحلال والحرام فیها، وهی کإنشاء بنوک الحلیب. وإنشاء بنوک المنی، واستئجار الأرحام، والتعقیم الدائم للرجل أو المرأة، وتغییر الجنس البشری، ونقل الخصیتین لزرعهما فی شخص آخر، وبیع الأعضاء البشریة، والاستنساخ البشری، وقتل المریض بدافع الشفقة.

وإذ أُقدم لهذا العدد, فإنی أرجو الله أن تستمر دار الإفتاء المصریة فی عطائها وریادتها، وتستمر مجلتها العلمیة فی تقدیم کل نافع ومفید فی مجال البحوث الرصینة، وأدعو الله أن یکلل مجهودات القائمین على ذلک بالرفعة والتوفیق.

والله من وراء القصد وهو یهدی السبیل