کلمة العدد

نوع المستند : أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول

المؤلف

مفتي جمهورية مصر العربية.


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سیدنا رسول الله صلى الله علیه وسلم وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:

فهذا هو العدد الخامس والثلاثون من مجلة دار الإفتاء المصریة، وفی البدایة نؤکد على الدور الحیوی والفعال الذی تضطلع به الدار فی مجال التجدید الفقهی والإفتائی والنظر إلى أحوال الأمة المعاصرة، وما یعتریها من تغیرات لابد من مراعتها لتحقیق مقاصد الشریعة، ودار الإفتاء الآن وهی تسیر بخطى واسعة نحو تقدیم رؤیا معاصرة مؤصلة لتجدید الخطاب الدینی، تضع بعین الاعتبار حاجات الناس الملحة إلى معایشة العصر بروح الشرع، وتحاول من خلال هذه النافذة المبارکة أن تتمیز فی تجدید المفهوم الإفتائی والنظر الشرعی للجمع بین واجب التجدید وملاحقة الواقع ومستجداته وصهر ذلک کله فی إصدارة معاصرة تلبی حاجات الباحثین والدارسین فی الشأن الفقهی، فی الوقت الذی أصبح التجدید فیه ضرورة لا ترف فیها ولا بدیل عنها، من أجل ذلک جاء هذا العدد من المجلة وما تحویه من أبحاث متعددة معاصرة، تتعرض فی کثیر من قضایاها لواقعنا المعاصر بشکل متزن یواکب الفکر التجدیدی للفقه الإسلامی المعاصر.

وقد نوقش فی ضمن أبحاث هذا العدد قضیة الودائع والأمانات والتربح من خلالها دون إذن ومعرفة المودع ومدى مشروعیة ذلک فی الفقه الإسلامی، وکان عنوان البحث: الانتفاع بالودائع والتربح بها فی الفقه الإسلامی دراسة فقهیة مقارنة، حیث تساهل کثیر من الناس فی أمر الأمانات واعتبرها ملکًا شخصیا لهم، معتمدًا على أنها ما دامت فی ضمانه عند الفقدان أو التلف فإنه یحل له الانتفاع بها إلى حد المضاربة أو الاتجار، وهذا أمر خطیر لا تقره الشریعة الإسلامیة

 

ویأتی البحث الثانی لیناقش قضیة المحدثات والبدع، حیث کثر فیها اللغط ما بین متساهل ومتشدد، فکان عنوان البحث مشروعیة موافقة أو مخالفة الأمة الإسلامیة للأمم السابقة فی ضوء السنة النبویة، مفرعًا على هذا التأصیل الکلام فی قضیتی الاحتفال بالمولد النبوی الشریف، وقضیة تهنئة غیر المسلمین بأعیادهم، وهما من أشهر القضایا التی شدد فیها الغلاة غایة التشدید حتى جعلوا الاحتفال والتهنئة من ذرائع الشرک بالله تعالى، وقد بین الباحث الضوابط الشرعیة المناسبة حتى یحقق الاحتفال بالمولد النبوی مقصوده الشریف من تجدید الحب لرسول الله صلى الله علیه وسلم فی نفوس الأمة، وحتى تحقق التهنئة مقصودها الشرعی من توطید أواصر المحبة والإیخاء بین أبناء الوطن الواحد وإن اختلفت عقائدهم، فالمحافظة على اللحمة الوطنیة ضرورة شرعیة، والأعیاد وإن کانت فی أصلها مناسبات دینیة، إلا أن التهنئة بها من کلا الطرفین لا تتجاوز قصد إدخال السرور على قلب شرکاء الوطن من الجانبین، دون مساس بقضیة المعتقد من الجانبین أیضا.

وفی نفس المضمار یأتی البحث الثالث لیعضد ما ذهب إلیه البحث الثانی ویقویه؛ إذ إنه یناقش قضیة تبادل الهدایا بین المسلمین وغیرهم، ذلک أن تحقیق التعاون والألفة فی المجتمعات الإسلامیة أمر مطلوب شرعًا، وخیر ما یبعث على ذلک التهادی بین الناس على اختلاف مللهم وأدیانهم، فکان لابد من مناقشة ذلک الأمر من خلال رؤیة شرعیة وسطیة من خلال فهم دقیق للأحادیث النبویة الشریفة، هذه الرؤیة تجعلنا لا نحکم على الأمر برمته حکمًا واحدًا، بل کل حالة لها من التفصیل فی الحکم ما یناسبها، وهذا ما یناقشه بحث: هدایا غیر المسلمین فی ضوء السُّنَّة النبویة وأثرها فی تحقیق السِّلم والأمن المجتمعی.

 

إن مثل تلک البحوث الراقیة الدقیقة المؤصلة، لتمس بشکل واضح، ورؤیة وسطیة قضایا تشغل حیزًا کبیرًا من تفکیر المسلمین، فحقیق أن یطلع علیها الباحثون المعنیون بالبحث الفقهی عسى أن ینتفعوا بها وأن ینفعوا غیرهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین.

والله من وراء القصد، والحمد لله رب العالمین