نوع المستند : أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول
المؤلف
أستاذ الحديث بجامعة الأزهر وعضو هيئة کبار العلماء
المستخلص
الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام علی خاتم المرسلین سیدنا محمد وعلی آله وصحبه أجمعین
أما بعد.
فإن المجلة العلمیة تٌعد معلماً رئیساَ من معالم المؤسسات العلمیة العریقة والرائدة، حیث تقدم من خلالها خدمة علمیة مکتوبة، تشمل تنوع الفائدة فی رحاب التخصص الذی تمثله وترعاه.
ومن هذا المنطلق أصدرت دار الإفتاء المصریة –مشکورة- مجلتها هذه، وجعلتها مجلة علمیة محکمة، بحیث لا یتقدم فی النشر فیها إلا أصحاب الفکر المنضبط، والمستوی العلمی الذی یجمع بین العمق والاتساع، مع الخبرة الواعیة بالمطالب المعاصرة، والتطلعات المستقبلیة.
وبهذا یحقق الهدف الرئیسی لإصدار المجلة، مع الاطمئنان إلی قدر کبیر من سلامه المحتوی، ونقاء الآراء والاجتهادات والمقترحات التی یقدمها الباحثون فی نتاجهم العلمی المنشور فی تلک المجلة الرائدة وفی هذا العدد "السابع والعشرین" الذی شرفتنی دار الإفتاء بطلب افتتاحه، وجدت فی مکوناته ما یعبر عما أشرت إلیه من أهمیة تلک المجلة، والهدف النبیل الذی تعمل على تحقیقه من خلالها.
فقد اشتمل العدد علی ثلاثة أبحاث علمیة:-
أولها: بعنوان’’ الصناعات الدوائیة فی المیزان الفقهی"
ثانیها : بعنوان "الموت مع التجهیل وأثره فی ضمانات الأمانات
وثالثها: بعنوان النهى عند الأصولیین، دراسة تطبیقیه
فالموضوع الاول: یتضح من عنوانه مواکبته لعصرنا الصناعی الحاضر حیث یبین موقف الفقه الإسلامی وضوابطه العامة من الأدویة والعقاقیر التی تنتجها مصانع الأدویة فی هذا العصر الذی یتسم بالتقدم العلمی والتکنولوجی، فینتج مستحضرات طبیة من الخامات والنباتات الطبیعیة، کما ینتج مستحضرات من مواد حیوانیة ومعدنیة وغیرها، فبین البحث أدلة الشرع وضوابطه الفقهیة لهذه الصناعات بما یحقق سلامة الإنسان، والبیئة التی یعیش فیها، ویمنع الغش والتلاعب أو الخلل فی التصنیع والترکیب بما یضر بصحة الإنسان، ویبین ما تجیزه الشریعة من إدخال بعض المحظورات شرعا فی ترکیب الأدویة بحکم الضرورة أو المصلحة مع عدم البدیل
الموضوع الثانی:
فیه جمع بین دلالة القواعد الفقهیة العامة، وبین تطبیقها علی قضیة عامة وهی التی تعرف "بالإیداع والائتمان"، بمعنی أن یبرم عقد بین طرفین بوضع شیء عند أحدهما بصفة أمانة، ثم یموت هذا المؤتمن، دون أن یذکر شیئا یمیز تلک الأمانة عن غیرها، أو یبین مصیرها بعد موته، وبذلک تحصل جهالة شأنها، والذی کان مؤتمنا علیها یسمی عند الفقهاء "مجهلا" حیث مات وترک حال الأمانة مجهولاً.
وقد تناول هذا البحث بیان الوسائل المشروعة لعلاج هذا التجهیل بما یحفظ لأصحاب الأمانات حقوقهم، وما یفصل فی النزاعات التی تنشأ عن تلک الجهالة، وذلک فی خمسة مباحث تبین آراء فقهاء المذهب فی ذلک من سلف وخلف، مع اختیار الباحث ما ترجح لدیه بأدلته المستمدة من الکتاب والسنة النبویة وما تفرع عنهما وفی تلک الاختیارات ما یمکن الإفادة منه حالیا فی قضایا متداولة فی ساحات القضاء الشرعی والمدنی.
وأما الموضوع الثالث والأخیر:
فقد تناول جانبا رئیسا من جوانب نصوص الأدلة، وهو نصوص النهی عن الشیء بصیغة معتبرة عند الأصولیین، مع تطبیقات عملیة لذلک.
ولما کانت نصوص النهی کثیرة الأنواع والأعداد -وأکثر منها نماذج التطبیقات- لذلک جاء البحث ضخما، بحیث زاد حجمه على حجم البحثین السابقین.
ورحم الله الإمام الجلیل أبا حاتم ابن حبان المتوفی سنة 354 هــ حیث قال فی مقدمة صحیحة: "وقد تتبعت النواهی عن المصطفی – صلی الله علیه وسلم- وتدبرت جوامع فصولها، وأنواع ورودها ... فرأیتها تدور علی مائة وعشرة أنواع..." ثم سرد عناوینها نوعا نوعا، ثم فصَّل خلال صحیحه الأحادیث التی تنطبق علیها تلک الأنواع کلها، فترک بعمله هذا زادا ونبراسا للمحدثین والأصولیین، وأهل الاجتهاد فی الفکر الأصولی، والفروع الفقهیة معا.
وخیر ما أختم به هو الدعاء الصادق إلی السمیع المجیب أن یُعلِّمنا ما جهلنا، وینفعنا بما علمنا، وأن یُسدد خُطی کل العاملین فی دار الإفتاء المصریة العریقة، وفی مقدمتهم فضیلة العلامة الأستاذ الدکتور شوقی علام مفتی الدیار المصریة، وکل معاونیه، وکذلک القائمین علی تلک المجلة العلمیة إعداداً ونشراً، وصلی الله وسلم وبارک علی سیدنا محمد وعلی آله وصحبه أجمعین.