کلمة العدد

نوع المستند : أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول

المؤلف

عضو هيئة کبار العلماء بالأزهر الشريف


بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام على أشرف الأنبیاء والمرسلین سید الخلق سیدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى یوم الدین.

أما بعد: فإن الاستفادة من التراث الحضاری للمسلمین والذی ورثناهه عبر التاریخ وکذا حسن قراءة الاجتهاد الفقهی والأصولی الذی ترکه لنا أجدادنا من العلماء العاملین المجتهدین لیقتضی منا عدة أمور منها:

1 – إدراک الواقع المعاصر.

إن الواقع له أرکان وعناصر یجب على المجتهد أن یلم بها جیدا، وأن یحسن التعرف على ما یستلزمه هذا الواقع من اجتهادات وتجدیدات فی الرؤیة والتفکیر، وأن یطلع بشکل مستمر ودائم على مستجدات الواقع وحاجة الناس وضروریاتهم وتحسینیاتهم فی هذا الواقع (الزمان ، المکان، الأشخاص، الأحوال).

2 – إعادة التدبر والدراسة للنصوص الأولیة فی الاجتهاد (الکتاب والسنة)

فإن القرآن الکریم والسنة النبویة الثابتة عن سیدنا محمد صلى الله علیه وسلم لهما رأس الأدلة الشرعیة التی بنى علیها الأئمة اجتهاداتهم سابقا، وکل تجدید وکل فهم للتراث واستفادة منه تبدأ من إعادة النظر فی النصوص التی تحرک منها الاجتهاد من أجل خدمة المقاصد الشرعیة وتحقیق مصالح الناس ومنافعهم.

3 – استنباط المناهج وعدم الوقوف عند المسائل:

یستلزم الأمر قراءة الفقه وتحلیل ما جاء فیه من اجتهادات الأئمة الأوائل باستخراج مناهجهم واستنباط طرقهم فی الفهم والاجتهاد، وعدم الوقوف لدى مسائلهم المؤقتة أو الفرعیة والاستغراق فی اختلافاتهم وقصر حرکة التجدید المعاصرة على الترجیح بین ما أتوا به سابقا من اجتهاد.

فالتجدید المنشود یکون بوضع الأسس المنهجیة التی ترکها لنا العلماء من قبل ثم الإضافة علیها والتعمق فیها ومن ثم البناء علیها والاجتهاد على آثارها وفی هدیها بما یحقق مصالح المسلمین فی وقتنا المعاصر.

4 – واجب الوقت.

إن إدراک المعاصرین لواجب الوقت یجعلهم ینظرون لاجتهادات من سبقهم بأفق رحب وسعة تفکیر دون انغلاق أو جمود، وکذلک یبعثنا ویلزمنا الاحترام لما قاموا به من دور فی خدمة وقتهم وتحقیق الشریعة فی حیاة الناس، والاحترام یأتی حیث نجد دائما لآرائهم مسوغا وتفسیرا نعرفه حینما ندرس الواقع الذی جاءت وصدرت فیه هذه الفتاوى والاجتهادات، وکیف أنها حرصت دائما على تحقیق مقاصد ومصالح فرضتها ظروف وقتهم.

وحیث نجح علماء الفقه والأصول من قبل فی بناء الحضارة الإسلامیة والمحافظة علیها قرونا بتیسیر أمور الناس ومعایشهم على وفق ما أتت به الشریعة الإسلامیة من أحکام دون الوقوع فی حرج أو عنت ، بل کان التزام الخلق بالشریعة عن قناعة ومحبة لأنهم وجدوا فی أحکامها هدایة وراحة وسعة حسب ما أرشدهم إلیه علماء وقتهم.

ولکن حینما توقف العلماء المعاصرون عن مواکبة حرکة الحیاة وتسارعها وکثرة ما استجد فیها فتأخر اجتهادهم حدثت شقة بین حیاة الناس وواقعهم وبین شریعة ربهم ووجد کثیر منهم مشقة فی الالتزام ببعض الأحکام أو الفتاوى التی صیغت من أجل أقوام عاشوا فی عصر مختلف تماما عما صاروا فیه.

اجتهد من سبقنا ولزم أن نجتهد مثلهم من أجل إحیاء الحضارة وتجدید شبابها وتیسیر معایش الناس وعودة الالتزام بالدین والمحبة لأوامر الخالق .

5 – مراعاة المقاصد وترتیب الأولویات

إن الفهم السدید لأحکام الشریعة واجتهادات الأئمة على وفق المنهج النبوی والمحجة البیضاء یبدأ دائما من إدراک المقاصد الشرعیة الکلیة للشریعة والتماس تحققها فی کل الفروع والمسائل الجزئیة.

وقد ضلت جماعات وانحرفت فی واقعنا المعاصر باسم الإسلام وتحت دعوى تطبیق أحکامه والالتزام به، وهذه الجماعات قد أساءت الفهم للمقاصد فصاروا کما وصفهم سیدنا رسول الله صلى الله علیه وسلم یقرؤون القرآن لا یجاوز حناجرهم. أی لا یحصل لهم فیه تدبر وحسن فهم لمقاصده فلا یتجاوز الأمر لفظه القریب الذی ینطقون به، فصارت حیاتهم کالهرم المقلوب الأصول فیه فروعا والمقاصد فی أسفل الهرم، والفروع صارت رؤوسا على قمة الهرم الفاسد لفهمهم، فشوهوا صورة الإسلام فی العالمین، وضلوا عن الصراط المستقیم ویحسبون أنهم مهتدون.

ونطالع فی هذا العدد من مجلة دار الإفتاء المصریة ثلاثة أبحاث تنشد ما تحدثنا عنه وتتطلع إلى تنفیذه، أولها: "الأحکام التکلیفیة بین الکلیة والجزئیة دراسة أصولیة تطبیقیة"

وثانیها: "الفرق بین الجهاد الشرعی وإفساد الجماعات والتنظیمات الإرهابیة المسلحة"

وثالثها: "حکم بیع الحُلی بمثله متفاضلاً لأجل الصیاغة بین سد الذرائع واعتبار المصلحة الراجحة".

فنسأل الله أن یبارک فی مجهودات علماء الأمة وینفعنا بعلمهم، وأن یؤید مؤسساتنا الدینیة على العمل من أجل رفعة الوطن وتقدمه.