کلمة العدد

نوع المستند : أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول

المؤلف

مفتي جمهورية مصر العربية


بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبی بعده سیدنا وحبیبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعین، وبعد:

فإن الشریعة جاءت لجلب المصالح للخلق ودرء المفاسد عنهم، وقد استقرأ الإمام الشاطبی رحمه الله تعالى تکالیف الشریعة استقراءً تامًّا وانتهى إلى هذه النتیجة السابقة، فقال فی الموافقات: "والمعتمد إنما هو أنا استقرینا من الشریعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ینازع فیه الرازی ولا غیره، فإن الله تعالى یقول فی بعثه الرسل، وهو الأصل: ] رُسُلًا مُبَشِّرِینَ وَمُنْذِرِینَ لِئَلَّا یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[ [النساء: 165]، ]وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِینَ[ [الْأَنْبِیَاءِ: 107] "، ثم قال بعد أن ذکر أدلة کثیرة إجمالیة وتفصیلیة على إثبات هذه القضیة: "وإذا دل الاستقراء على هذا وکان فی مثل هذه القضیة مفیدًا للعلم فنحن نقطع بأن الأمر مستمر فی جمیع تفاصیل الشریعة" (الموافقات 2/ 12- 13 بتصرف).

ذلک یؤکد أن استخراج الأحکام واستنباطها من الأدلة الشرعیة یحتاج إلى ملکة اجتهاد، فضلا عن إدراک الواقع والإلمام بالأدلة وإدراک العلاقة بین الواقع والأدلة ثم الخلوص إلى حکم ینزل على هذا الواقع.

وقد وضع أسلافنا الأکابر قواعد ذلک کله، وکان على رأس هؤلاء الإمام الأعظم أبو حنیفة النعمان رضی الله عنه، الذی یتناول البحث الأول مسیرته العلمیة وکیف أنه أسس لمنهج أصولی یبین کیف تعامل الفقیه مع مشکلات الواقع.

وکانت عملیة الاستنباط وفق هذه القواعد والأصول ملازمة لکل فَقِیه یتعامل مع الواقع لیعطی حکما شرعیا، حتى جاء الإمام الشافعی رضی الله عنه فجمع قواعد أصول الفقه وبیَّن طرائق عملها فی دراسته التی یُعَدُّ هو أول قائم بها، وذلک فی کتابه الماتع الجامع "الرسالة"، الذی اتفق علیه علماء أصول الفقه أنه أول کتاب أُلِّفَ فی هذا العلم.

ویأتی التطبیق الإفتائی والقضائی مبرزًا عمل هذه القواعد، أو بمعنى آخر أنهما یجعلان هذه القواعد وطرائق الاستنباط ترتبط بالواقع وتتعامل معه فی حرکة متناسقة.

ونطالع فی هذا العدد الجدید من مجلة دار الإفتاء المصریة ثلاثة أبحاث تکشف عن ذلک فی بعض جوانب الفقه الرحب، وبذلک جمعت بحوث هذا العدد بین الأصول والفقه؛ وجاءت على النحو التالی : أولها: "الإمام أبو حنیفة رضی الله عنه وجهوده المؤسسة للفکر الأصولی"، والثانی: "نفقة الزوجة العاملة دراسة مقارنة"، والثالث: "أثر تطبیق الحدود فی مکافحة الجریمة".

ولا ریب أن مثل هذه الأبحاث والدراسات تؤکد على مرونة الفقه الإسلامی وصلاحیته وقدرته على مواجهة المسائل الجدیدة وإعطائها حکمًا شرعیًّا بما یتفق والقواعد العامة والمقاصد الکلیة وأصول الاجتهاد، مع الکشف عن آثار الأحکام الشرعیَّة فی المحافظة على الأمن الفکری والمجتمعی للمجتمعات بما یدعمها فی مسیرتها نحو الاستقرار والتقدم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمین،،،