کلمة العدد

نوع المستند : أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول

المؤلف

أمين عام مجمع البحوث الإسلامية


الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام علی المبعوث رحمة للعالمین وعلی آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلی یوم الدین وبعد .

 

فإنه لا یخفی علی أحد من أهل العلم أن الشریعة الإسلامیة أقامت أحکامها علی رعایة مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم ، وجلب المنافع لهم فی الدنیا والآخرة وقد أکّدَ علی ذلک " سلطان العلماء " العز بن عبد السلام عندما رَجّع الفقه کله إلی اعتبار المصالح ودرء المفاسد .

 

 قال الإمام السیوطی " بل قد یرجع الکل إلی اعتبار المصالح ، فإن درء المفاسد من جملتها "([1]) .

 

إن أحکام نصوص الکتاب والسنة جمیعها مبنیة علی التعلیل بمصالح العباد جلباً لها ، والنهی عن المفاسد درءاً لها ، وذلک دلیل علی أن أحکام الشریعة الإسلامیة مقرونة بتلک المصالح بحسبانها مقصداً للشارع من تشریعه للأحکام ، وهذا علی التحقیق لا نزاع فیه عند جماهیر العلماء"(2).

 

إلا أن الأحداث المتلاحقة والمتجددة فی حیاة الناس أبرزت الحاجة إلی معرفة الحکم الشرعی فیها ، ولیس مطلوبا من النصوص الشرعیة أن تتعرض لتفصیلات الأحداث ، وقد أدرک العلماء أن الأحکام الشرعیة تُستمد من الأدلة فی الکتاب أو السنة أو الإجماع أو القیاس أو غیر ذلک من الأدلة ، فتأملوا فی طرق وأصول الاستنباط أو الاستدلال علی الأحکام من الأدلة، ولا شک أن الإبانة عن تلک المنهجیة العلمیة الدقیقة لتحقیق ذلک لا تتأتی إلا من خلال البحوث العلمیة المتخصصة التی تٌعنی بدراسة القضایا والموضوعات فی الفقه وأصوله حیث یتم نشرها من خلال أوعیة المعلومات ، ومن أبرزها الدوریات العلمیة المُحّکمة والتی تتبوأ مجلة دار الإفتاء المصریة مکانة مرموقة بینها من خلال التزامها بنشر البحوث العلمیة المتمیزة والرصینة والمتخصصة فی فروع المعرفة الشرعیة، حیث لا یخفی علی القارئ الأریب معرفة المکانة العلمیة  للمجلة ودورها فی نشر الأبحاث المتنوعة فی أبواب الفقه الإسلامی وأصوله.

ویأتی هذا العدد من المجلة المبارکة لیشتمل علی ثلاثة أبحاث متمیزة فی ابوابها:

 الأول : بعنوان " أصول الاستنباط عند الإمام أحمد بن حنبل "رضی الله عنه" وهو من البحوث الأصولیة القیمَة التی تضمنت بإیجاز دراسة أصول الاستنباط عند الإمام أحمد بن حنبل ومنهجه الذی سلکه فی استنباط الأحکام .

 

 حیث أبرزت الدراسة أصول الاستنباط عند الإمام أحمد ومن أبرزها: النصوص، وما أفتی به الصحابة رضی الله عنهم وإذا اختلف الصحابة رضی الله عنهم تخیر من أقوالهم ما کان أقربها إلی الکتاب والسنة والقیاس .

 

 وتضمن البحث أصولاً لم یذکرها ابن القیم مثل : الإجماع والمصالح المرسلة والاستحسان والاستصحاب والذرائع، وعدداً من القواعد الأصولیة التی ذکرها الإمام أحمد ، وخصائص الفکر الأصولی عند الإمام ، وموقف الإمام أحمد من بعض المسائل الأصولیة .

 

والثانی بعنوان "مفهوم الصفة دراسة أصولیة تطبیقیة "  ولا شک أن مفهوم الصفة أحد أنواع مفهوم المخالفة ، وهو من المفاهیم المهمة فی استنباط الأحکام الشرعیة ، وقد رکز البحث علی حقیقة هذا المفهوم عند الأصولیین ، حیث اختلف العلماء فی حُجیة مفهوم الصفة .

 

 وقد اشتمل البحث علی ذکر أقوال أهل العلم وأدلتهم فی هذه القضیة، وأنتهی البحث إلی ترجیح أن مفهوم الصفة حُجةً ، وبین البحث أن المُثبتین لحُجیة مفهوم الصفة اختلفوا فی الحجیة أهی ثابتة باللغة أم بغیرها ، وغیر ذلک من المسائل الدقیقة المتعلقة بهذا الموضوع مما له أثر کبیر فی تفسیر النصوص الشرعیة ، وفی بعض الفروع الفقهیة التی تتخرج علیها .

والثالث بعنوان " مقدار دیة المرأة" وفی هذا البحث بیان لمقدار دیة المرأة، ومذاهب العلماء فیها، والرد على شبه من قال بغیر مذهب السلف والخلف فی ذلک.

ویتمیز البحث بدمجة بین الدراسة الحدیثة لما استند إلیه الحکم الشرعی فی بیان دیة المرأة، وبین الدراسة الفقهیة وعرض أقوال العلماء القدامى والمعاصرین فی المسألة.

ولا شک أن مثل هذه البحوث العلمیة الأصیلة تعالج قضایا مهمة یحتاجها الناس فی حیاتهم ، وتبرز المنهجیة العلمیة الإسلامیة فی استنباط الأحکام .د



) 1) الأشباه والنظائر فی قواعد وفروع فقه الشافعیة ، ص 8

(2) الموافقات فی أصول الشریعة ، الإمام الشاطبی ، 2/322