کلمة العدد

نوع المستند : أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول

المؤلف

مفتي الديار المصرية


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبی بعده، وعلى آله وصحبه ومَنْ تبعهم بإحسان إلى یوم الدین، وبعد:

 

فقد تقرر أن الإسلام دین للعالمین، یخاطبهم على مختلف أجناسهم وألوانهم وشعوبهم وقبائلهم، وأفرادهم وجماعاتهم؛ فی عصر الرسالة وفیما یستقبل من الزمان، ما دام للإنسان وجود على ظهر المعمورة؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْکُمْ جَمِیعًا﴾ [الأعراف: 158]، وفیه تأکد ضمیر المخاطبین بوصف "جمیعا" الدال نصًّا على العموم، لرفع احتمال تخصیص رسالته صلى الله علیه وسلم بقوم دون قوم أو عصر دون عصر؛ استقصاءً فی إبلاغ الدعوة إلى الناس کافة.

 

وبذلک سمت الرسالة المحمدیة الخاتمة عن حدود الزمان والمکان، فکان مضمونها متصفًا بالبقاء والخلود، لا تنسخها شریعة آتیة، ولا یعتریها نقص فی مکنون قدرتها عن إیجاد  إجابات شافیة لما یواجهه الإنسان فی حیاته الیومیة، ومن ثَمَّ توسَّع الفقهاء فی تقریر الأحکام واتباع الصور الواقعیة والعقلیة مع تتبع کل واحدة منها على حدة، وتقریر الحکم المناسب لها، وبهذا عّظُمَ الفقه الإسلامی واتسع مجاله.

وقد اقتضت حکمة الله تعالى أن تکون النصوص الشرعیة محصورة من حیث العدد، فی حین أن الوقائع والحوادث التی تجری فی حیاة الناس لا حصر لها، وهی متجددة متکاثرة على تعاقب الأیام واللیالی، والمطلوب من فقهاء الإسلام أن یبینوا للناس حکم الله تعالى فی کل واقعة من وقائع الحیاة، وإن لم یکن حکمها منصوصًا علیه فی الکتاب والسُّنَّة؛ فکان لا بد من أداة یتمکن بها الفقهاء المجتهدون من التصدی لبیان أحکام الوقائع غیر المحصورة، من خلال النصوص المحصورة.

    ویقع القیاس على رأس هذه الأدوات؛ إذ هو الذی یمکِّن المجتهدین من إثبات حکم النظیر المنصوص علیه؛ لنظیره المسکوت عنه، فلا یقف الشرع الحنیف عاجزًا عن بیان مراد الحق من الخلق، مهما اختلفت الأزمنة، وتعددت الأمکنة، وتغایرت الأحوال أو الأشخاص .

لذا فالقیاس ذو شأن عظیم ومقام جلیل فی بیان أحکام الشریعة الإسلامیة الغراء؛ إذ هو عصا الفقیه التی یتوکأ علیها إذا لم یجد نصًّا فی المسألة التی یرید معرفة الحکم الشرعی فیها، ولا إجماع یبین هذا الحکم، قال بعضهم:

إذا أعیا الفقیهَ وجودُ نصٍّ         تعلَّقَ لا محالةَ بالقیاس

 

ونقرأ فی هذا العدد العشرین من مجلة دار الإفتاء المصریة بحث "القیاس وإثبات الحدود والکفارات به وأثر ذلک فی الفقه الإسلامی"، حیث تناول البحث مسألة القیاس فی الحدود والکفارات عند الأصولیین تحریرًا وتحلیلًا وترجیحًا، ثم ببیان أثر اختلاف الأصولیین فی إثبات الحدود والکفارات بالقیاس فی الفقه الإسلامی.

کما نقرأ بحثًا آخر بعنوان: "النصوص التشریعیة الجامعة بین العزیمة والرخصة وأثرها على أداء المکلف فی الفقه الإسلامی"، الذی تناقش محتویاته قضایا الجمع بین العزیمة والرخصة فی تشریع واحد، وأثر ذلک فی فعل المکلف، وفیه بیان لیسر الشرع وسماحته، لأنه  یؤسس لدفع المشقة عند العنت ورفع الحرج عند الضیق.

 

فقد یعرض لبعض المکلفین أعذارٌ وأحوالٌ تجعل امتثـال تلک التکالیف، سواء بالفعل أو بالامتناع عن الفعل، أمرًا متعذرًا أو متعسرًا فی الحیاة العملیة، ولا خلاف بین المسلمین فی أنه یجوز للمسلم الأخذ بالرخصة امتثالًا لأمر الله تعالى، لا بدافع التهرب من الواجبات الشرعیة، والعبث بالأحکام واستحلال المحظور، بل من باب رفع المشقة عن المکلَّفین، إذ قد یصبح الترخص من بعض الأحکام فی بعض الأحوال واجبا ومطلوبا شرعیًّا، ویکون حینذاک هو عین الامتثال لخطاب الله تعالى.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمین،،،