کلمة العدد

نوع المستند : أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول

المؤلف

أستاذ الفقه المقارن وعميد کلية الشريعة والقانون بطنطا


الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم رسل الله ، سیدنا محمد ، وعلى آله وصحبه .. وبعد :

 

      فدار الإفتاء المصریة تقوم بدورها المنوط بها ؛ تشع أنواراً من کل جوانبها : تنیر الطریق للحائرین ممن سألوا عن حکم الشرع الحنیف فی مسائل اعترضتهم فی شتى أحوالهم ، سواء کانت فی العبادات ، أم المعاملات ، أم الجنایات ، أم القضاء والشهادات ، وما یتعلق بالحاکم والعلاقات الدولیة .. الخ ؛ وسواء کان السائل قد أتى للدار ، أم اتصل بها عبر الوسائل المتعددة من وسائل التقنیة الحدیثة .

     وهذا الدور یعد الترجمة الحقیقیة لأهم أدوار الأزهر الشریف ، الذی تخرج فیه علماء من شتى بقاع العالم ، لما یزید عن ألف عام ، حتى صار القبلة العلمیة الأولى للمسلمین .

      ولقد جند الله – عز وجل – للدار علماء عرفوا دور الدار ، لخدمة الإسلام والمسلمین ، حتى یبصروهم بأمور دینهم ، ویأخذوا بید من استشکل علیه أمر ، فیوجهوه إلى صحیح الدین ، ویأخذوا بیده إلى سواء السبیل ؛ بالإضافة إلى ذلک لم یغب عن الدار أن تزود المسلمین ، وخاصة الباحثین والدارسین بأبحاث علمیة جادة ، تظهر سماحة الدین ، وأن اختلاف الفقهاء رحمة بالأمة ، وأن أسباب الاختلاف بین الفقهاء ینبغی أن تدرس فی شتى الجامعات والمدارس ، مع ذکر أمثلة تطبیقیة ، حتى یفهم المسلم أمور دینه ، وحتى لا یتعصب أصحاب مذهب معین لمذهبهم ، وإلا قلنا بالعصمة لهذا المذهب ، ونسینا أن کل إمام کان یقول عن رأیه : رأیی صواب یحتمل الخطأ ، ورأی غیری خطأ یحتمل الصواب .

    وحینما سئل الإمام الشافعی – رضی الله عنه – عن الإمام مالک ؛ قال : مالک حجة الله .

    وحینما سئل عن أبی حنیفة ؛ قال : الناس فی الفقه عیال على أبی حنیفة .

    وحینما سئل الإمام أحمد بن حنبل عن الإمام الشافعی ؛ قال : کان أفقه الناس فی کتاب الله ، وسنة رسوله – صلى الله علیه وسلم . وأیضاً : والله ما عرفت ناسخ الحدیث من منسوخه حتى جالست الشافعی .

     مما یظهر لنا أن معرفة أسباب الاختلاف من الأهمیة بمکان ، حتى یعلم القارئ والمتعلم أن الاختلاف قد یکون مرجعه إلى اللفظ ، سواء فی القرآن الکریم أو السنة الشریفة ؛ وقد یکون مرجعه إلى الروایة ( الحدیث ) . فقد یطلع إمام على حدیث لم یطلع علیه غیره ، فیقضی بحکم لم یقض به الآخرون .. إلى غیر ذلک من أسباب عدیدة ذکرها الفقهاء ، مع اتفاق جمیع الأئمة على أن الحدیث إذا ثبت فیعمل به ، ویضرب بقوله عرض الحائط .

    والفقهاء فی هذا الاختلاف فی بعض المسائل الفرعیة لیسوا بدعاً ، فقد سبقهم الصحابة – رضوان الله علیهم – أن اختلفوا .

     ونقل السیوطی عن عمر بن عبد العزیز أنه کان یقول : ما سرنی لو أن أصحاب محمد – صلى الله علیه وسلم – لم یختلفوا ؛ لأنهم لو لم یختلفوا لم تکن رخصة .

     ومن ثم فإذا أخذت درا الإفتاء برأی فی مسألة ما ، یطلب الرأی فیها ، ربما راعت فیها مقاصد الشریعة ، أو المآلات .. ونحو ذلک ، فلها سندها – إن شاء الله .

والعدد السابع عشر للمجلة یطلعنا على نماذج طیبة للدارسات الفقهیة المقارنة ، التی تظهر دور العلماء على مر العصور ، فالتنقیح للآراء ، وبیان الأدلة ، ووجه الاستدلال ، والمناقشات الواردة على الأدلة ، واختیار الرأی الذی یدعمه الدلیل من المسائل المهمة لکل بحث علمی.

    کما یطلعنا الإدراج فی متن الحدیث على سبب آخر من أسباب اختلاف الفقهاء ، إذ ربما یثبت لدى فقیه صحة الإدراج ، ولم یصح عند آخر .

     کما یأخذ العدد بأیدینا إلى الاطلاع على الأحکام الفقهیة فی جانب السیاسة الشرعیة (أوراق دستوریة ) حتى نعلم أن شرعنا لا فرق فیه بین جانب من الفقه وآخر ؛ إذ إن الفقه الإسلامی شامل لجمیع صور الحیاة من عبادات ومعاملات ، وعلاقة الحاکم بالمحکوم ، والعلاقات الدولیة... الخ.

      کما یطلعنا العدد على مسألة طبیة شرعیة عمت بها البلوى، واحتاجت فی بحثها ومشروعیتها إلى الفقه؛ فکان بحث "نقل وزراعة الأعضاء" وهو یتناول الاحتمالات فی تلک المسالة، سواء بنقل الأعضاء من حی إلى حی، أو من میت إلى حی، أو من حیوان إلى آدمی.