کلمة العدد

نوع المستند : أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول

المؤلف

مفتي جمهورية مصر العربية


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد، فإنه لا یخفى على أحد قیمة البحث العلمی؛ حیث إنه سبیل أی أمة للمضی قدمًا نحو الرقی والازدهار؛ فهو الوسیلة المثلى لاکتشاف الحقائق، وتطویر العلوم، ودراسة المشکلات وبحث سبل حلها، أو بعبارة أخصر: هو طریق صناعة المعرفة.

والبحث العلمی یسبغ على شخص المتلبس به المتأهل له خلق الصبر والجلد، ویفتح له باب الاطلاع على الآراء المختلفة، ویدربه على سبرها والاختیار من بینها، ویُعَوّده على الاعتماد على نفسه فی الوصول إلى المراد، والعمل على التماس الحق والتجرد له.

وقد أصبح البحث العلمی فی مختلف فروع المعرفة الإنسانیة علمًا مستقلا بذاته له أصوله ومناهجه، وإن کانت خصائصه قد تختلف باختلاف موضوعاته.

وفی خصوص مجال الدراسات الفقهیة، نجد أن علم الفقه قد تحققت له خصیصة فریدة؛ وهی امتزاج النقل بالعقل فی موارده وأدلته، مما یجعله فریدًا ممیزًا بین مختلف الشرائع والقوانین.

ولا شک أن البحث فی هذا المجال طریقه شاق، یحتاج إلى علم وتدریب وملکة حاضرة؛ لکنه یسیر على من یسّره الله علیه؛ ولذلک یقول الإمام أبو المظفر بن السمعانی: «الفقه صَعب مرامه شدید مراسه، لا یعطى مقاده لکل أحد، ولا ینساق لکل طالب، ولا یلین فی کل حدید، بل لا یلین إلا لمن أید بِنور الله فِی بَصَره وبصیرته ولطف مِنْهُ فِی عقیدته وسریرته»اهـ.

وغیر خافٍ أن کل عین لها نظرة، وأن توارد العقول والأنظار على العمل العلمی یعطیه قوة على قوة؛ فیسد ثغرات الخلل ویجبر مواطن الضعف، وقدیمًا قیل: «من شاور الرجال شارکها فی عقولها»، وقال الخطیب البغدادی: «مَن صَنَّفَ، فقد جَعل عقلَه على طَبَقٍ یَعْرِضُه على النَّاس». ومن هنا جاءت أهمیة عرض الأبحاث العلمیة على لجان علمیة لتفحصها وتُقَوِّمها وتجیز ما یصلح منها للنشر، ومن هذا الباب ما ورد عن الإمام مالک أنه قال: «ما أَفْتَیْتُ حتى شَهِدَ لی سبعون أَنِّی أَهلٌ لذلک».

والمرء عالم ما تعلم، ولا ینبغی له أن یستنکف عن الاستفادة من غیره من أهل العلم؛ قال الإمام عبد الله بن المبارک: «لا یَزَالُ المرء عالما مَا طَلَبَ العلم، فإذا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ؛ فقد جَهِلَ».

ولاشک أن المشارکة فی البحث بالمراجعة والتقویم تساعد کاتبه على ما طلبه العلماء من المصنفین من لزوم التحری وتکرار النظر فی التصنیف قبل صدوره؛ قال الإمام النووی فی مقدمة کتابه: "المجموع": «ولیحذر کل الحذر أن یشرع فی تصنیف ما لم یتأهل له؛ فإن ذلک یضره فی دینه وعلمه وعرضه، ولیحذر أیضًا من إخراج تصنیفه من یده إلا بعد تهذیبه وترداد نظره فیه وتکریره»اهـ.

وقد عنیت دار الإفتاء المصریة برعایة الأبحاث العلمیة عن طریق انتقاء الأبحاث المتمیزة وتحکیمها ثم نشرها فی مجلتها العلمیة، وقد نشرت من أعیان الأبحاث العلمیة فی أعدادها السابقة ما وقع فی حیز الرضا والاستحسان من الجماعة العلمیة، وها هی تستمر فی مسیرتها فی هذا العدد الجدید بجملة من الأبحاث الرصینة التی تجمع بین الأصالة والمعاصرة؛ منها:

بحث "الحالات التی یحرم على وطء الرجل زوجته مع بقاء النکاح"، وهو مفید فی جمعه مسائل الباب المتناثرة فی أبواب الفقه المختلفة فی مکان واحد بما یسهل الوقوف علیه والاستفادة منه بیسر.

وکذلک بحث "الطریق بین الأحکام الشرعیة ومتطلبات السلامة المروریة"، وهو بحث یتناول تطبیق قواعد السلامة المروریة وأثر تطبیقه على الأمة بکافة طوائفها.

وبحث "بیع الأسهم على المکشوف فی بورصة الأوراق المالیة"، وهو بحث یتناول فیه قضیة تهم قطاعًا کبیرًا من الناس، وبین حکم هذه المعاملة، مع الضوابط والقیود لمسائلها.

ثم یأتی بحث "مفتی الضرورة"، وهو بحث فی موضوع من موضوعات أصول الفقه، یتکلم عن حاجة الأمة إلى المفتی، والشروط الواجب توافرها فیه، وکیف یکون العمل إذا عسر توافر هذه الشروط فی آحاد الأمة؟

والله الموفق، وهو تعالى المسؤول أن یبارک فیما تقوم به دار الإفتاء المصریة من جهود، وأن یوفقنا إلى ما یحب ویرضى.