نظرية تفريق الأحکام في الفقه الإسلامي بين التأصيل والتطبيق

نوع المستند : أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول

المؤلف

مدرس الفقه المقارن بکلية الدراسات الإسلامية والعربية- بنين بالقاهرة

المستخلص

إن الله تعالى قد قيض لعلم الفقه رجالا حملوا على مر الزمان شعاره، فشيدوا أسسه وقواعده وأعلَوْا مناره، حتى انطوت مصنفاتهم على قواعد نافعة هامة، ونظريات عامة، فرَّعوا عليها الفروع، وبَنَوا عليها المسائل والأحکام، وکان لها أکبر الأثر في تطور الفقه الإسلامي، وفي بناء العقلية الفقهية من بعد، وکان من بين هذه النظريات المهمة نظرية فقهية مهمة، وهي نظرية: "تفريق الأحکام" أو: "تبعيض الأحکام" حسب اصطلاح البعض من الفقهاء.
وهذه النظرية نظرية هامة، فزع إليها فقهاؤنا عبر العصور -وعلى اختلاف مذاهبهم- لإيجاد الحلول لکثير من المشاکل التي تستجد على المسلمين في کل عصر وزمان؛ نظرية طبقها الفقهاء حتى وجدنا أثرها ممتدًا في الفقه کله، على اختلاف کتبه، وتنوع مسائله، وبنى عليها الفقهاء کثيرًا من الأحکام، وفوق کل هذا فهي نظرية تَفَرَّدَ بها الفقه الإسلامي عن غيره من القوانين والتشريعات الوضعية الأخرى، وهي نظرية تُنْبِئ عن مدى العقلية التي تمتع بها فقهاؤنا رحمهم الله.
وهذه النظرية تعني: أنه قد تَرِدُ على الفقيه أو القاضي مسألة تتعارض فيها الأدلة، وکل دليل يقتضي نتيجة وحکمًا يناقض الحکم الناتج من الدليل الآخر، فيحاول المجتهد القاضي أن يحتاط ويوفق بين النتيجتين، فيثبت العمل بالدليلين معًا، ويعطي أحکامًا متوسطة تجمع بين العمل بکل الأدلة في المسألة، دون أن يتبنى العمل بدليل واحد على حساب الدليل الآخر، وهذا ما عرف عندهم باسم: "تبعيض الأحکام".
وقد يفعل المجتهد ذلک أيضا؛ إزالة لضرر قد يقع على صاحب المسألة، بحيث يقتضي الدليل عنده في المسألة أن ينتج حکمًا ما بجميع لوازمه، ولکن ربما تؤدي بعض لوازم الحکم إلى الإضرار بصاحب المسألة في أمر ما، فيستثنى هذا اللازم من العمل بالحکم؛ فيکون الحکم ثابتًا ببعض لوازمه دون بعض، وهذا أيضا من باب تبعيض الأحکام.
وبالجملة فإن هذا البحث محاولة لجمع صور هذه النظرية، ودوافع العمل بها عند الفقهاء، حتى يتسنى لنا أن نسير على دربهم في العمل بهذه النظرية في المسائل والمستجدات.