ترک الفعل من الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالته على الأحکام

نوع المستند : أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول

المؤلف

المدرس بقسم أصول الفقه بکلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالقاهرة

المستخلص

هذا بحث في بيان ترک الفعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلالته على الأحکام، وقد اشتمل هذا البحث على مقدمة وأربعة مباحث ثم خاتمة وفيها أهم النتائج.
أما المبحث الأول فيتضمن تعريف السنة، وبيان أقسامها باعتبار صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه ثلاثة مطالب.
وأما المبحث الثاني فيتضمن تعريف الترک وبيان حقيقته، وهل هو من الأفعال؟ وفيه مطلبان، وقررنا فيه أن الترک فعل من الأفعال، کما ذهب الجمهور، بل نُقل الاتفاق عليه .
وأما المبحث الثالث ففيه أقسام الترک المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقررنا فيه مايلي:

أن المراد بمسألة الترک هو الترک الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم ولم يکن من قبيل الترک الجبلي ، ولا الترک الذي هو من خصائصه صلى الله عليه وسلم ، ولا الترک المبين لحکم تشريعي ، ولا الترک المرتبط بسبب من الأسباب ، بل المراد الترک المجرد عن هذه الأشياء ، الذي لم يرد معه نهي عن الفعل ، ولا دخل الفعل تحت نهي عام .
 أن ما ترکه صلى الله عليه وسلم جبلة وطبيعة ، لا يدل في حق أمته صلى الله عليه وسلم على تحريم ولا کراهة ، بل هو من ترک المباح الذي لا حرج على من فعله أو ترکه .
أن ما ترکه صلى الله عليه وسلم لکونه خاصا به ، لا بأس بالتنزه عنه ، على ألا يکون ترک المسلم لهذا الفعل على سبيل التحريم أو الکراهة ، حتى لا يشترک معه صلى الله عليه وسلم في الحکم .
أن ما ترکه صلى الله عليه وسلم بيانا لحکم تشريعي ، يجب على الأمة متابعته فيه ، لأن المُبَيِّن – بکسرالياء-  يأخذ حکم المُبَيِّن – بفتح الياء- .
أن ما ترکه صلى الله عليه وسلم لسبب ما ، يکون حکم الأمة کحکمه صلى الله عليه وسلم في حال وجود السبب ، فإذا زال السبب زال الحکم ورجع الأمر إلى الأصل .

وأما المبحث الرابع فعنوانه ترک النبي صلى الله عليه وسلم للفعل الذي قد يُقصد به التقرب إلى الله تعالى، وفيه أربعة مطالب: الأول وبيَّنا فيه أن محل النزاع بين العلماء في هذا الترک من النبي صلى الله عليه وسلم هو: ما وجد الداعي لفعله ولم يمنع من فعله مانع، وترکه صلى الله عليه وسلم، في غير العبادات المحضة.
والثاني: وفيه بيان سبب الخلاف بين العلماء في ذلک، وأن أساسه يرجع إلى خلافهم في تحديد معنى کلمة (بدعة).
وقررنا فيه أن البدع المذمومة شرعا هي ما لا أصل لها في الشرع يدل عليها، سواء کان هذا الأصل خاصا بها أو عاما يشملها وغيرها.
وقررنا أيضًا أن المُحدَث من الأمور الذي له أصل يَرجِع إليه من کتاب أو سنة أو إجماع أو قياس أو أثر، سواء کان هذا الأصل خاصا به أو عاما، ودخل الأمر المُحدَث تحته؛ فليس ببدعة في الدين مذمومة، وإن سُمي بدعة في اللغة.
والثالث: وفيه مذاهب العلماء وأدلتهم و بيان المذهب الراجح، وعرضنا فيه المذاهب بالتفصيل، مع ذکر الأدلة والمناقشات، وتوصلنا فيه إلى أن المذهب القائل بجواز فعل ما ترک النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وأن فاعله لا يُعد بذلک مخالفا للسنة، وأنه ليس مبتدعا، ما دام لم يخالف نصا شرعيا، هو المذهب الراجح.
والرابع: وفيه عرض لمسألة تطبيقية يظهر من خلالها أثر الخلاف في التطبيق، ومثَّلنا لذلک بالاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم کانت الخاتمة وقررنا فيها: أن ترک النبي لفعل من الأفعال التي قد يقصد المسلم بفعلها التقرب إلى الله تعالى، لا يدل على المنع من فعلها لا تحريما ولا کراهة، ما دام هذا الفعل لم ينهى عنه بخصوصه، ولم يدخل تحت نهي عام، خاصة تلک الأفعال التي تندرج تحت أصل عام من أصول الشريعة.
ولو کان کل ما لم يُفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وحدث بعده؛ فعله بدعة مذمومة ومحرمة شرعا؛ لکان الحکم واحدا في کل الصور وهو التحريم، وليس الواقع کذلک.
وأن ترکه صلى الله عليه وسلم لفعل غاية ما يدل عليه عدم وجوب هذا الفعل، فيدخل في الأفعال المباحة، فيکون جائز الفعل والترک، ومن هنا نشأت القاعدة الأصوليّة: "جائز الترک ليس بواجـب".
ولا نستطيع أن ننکر أن اتباعه صلى الله عليه وسلم في کل ما صدر عنه هو سبيل الفوز والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، لکن ما لم يفعله ولم ينهى عنه لا يمکننا أن نحکم فيه بالتحريم.