کلمة العدد

المؤلف

أستاذ الشريعة الإسلامية بکلية الحقوق جامعة الإسکندرية

المستخلص

في النظام العام الإسلامي
تأتي فکرة النظام العام في القوانين الغربية – وهي ذات أثر کبير على القوانين العالمية – لتعبر عن أمرين:
الأول: فلسفي بالدرجة الأولى ويعني المفاهيم الکبرى الأساسية التي لا يستطيع مجتمع ما الخروج عليها.
الثاني: وظيفي ويتمثل في فض التنازع إبقاء واستبعادا للقوانين الأجنبية أمام القضاء الوطني.
وکلا المعنيين يعطى لفکرة النظام العام علوا في دائرة الأفکار القانونية الکبرى ولکنه لا يحتم استبعادها من دائرة الحراک الاجتماعي الذي يفترض قدرة المجتمع على التأثير في مضمون الفکرة ويحکم تطوراتها، أما في الشريعة الإسلامية، فإن فکرة النظام العام هي تعبير عن عنصر الثبات في القاعدة الشرعية، وهو عنصر لا يختلط في نظرنا برکن الإلزام في القاعدة القانونية، لأن الخطاب الشرعي في بنائه الأصولي ينطوي على الإلزام بغض النظر عن الثبات والتغير، والإلزام الشرعي يتسع للديانة والقضاء معا لما في الأمر الديني من حل وحرمة يتجاوزان الأمر والنهي بالمعنى الدنيوي، وهي سمة تستوعب کل الأديان السماوية.
وفکرة الثبات – التي هي جوهر النظام العام الإسلامي – ترتبط بصفة أصلية لا عارضة في مصدر الحکم الشرعي، هذه الصفة هي القطعية سواء کانت قطعية ثبوت ودلالة فيما يتعلق بالکتاب والسنة، أو قطعية مضمون فيما يتعلق بالأحکام العقلية عند المسلمين.
فالنظام العام بهذا المعنى يرد قيدا على الإرادة – بالمعنيين الجماعي والفردي – بحيث تظهر وظيفة العقل وتتحدد مجالات الاجتهاد.
فهو قيد على الإرادة الجماعية التي لا تصنع نظامها العام بل تکتشفه وتتلقاه ولا يصنعه المجتمع على هواه.
وهي ترد قيدا على الإرادة الفردية حيث "لا اجتهاد مع النص" وهذا يعني أن وظيفة العقل مجالها فهم النصوص لا تجاوزها وأن   البنية الداخلية للنص الشرعي القاطع مستقلة تمامًا عن الإرادة، بحيث يظل العقل وسيلة الفهم وأداة الإدراک بالمعنى المعرفي – الأبسمتولوجي- وليس بالمعنى الأخلاقي؛ حيث تستطع الإرادة القبول والرد، والطاعة والرفض، ولکن العقل الواعي لا يملک طبقًا للنظام العام الإسلامي اقتحام عالم النص بالإضافة أو الحذف، ولا يعد ذلک إعلاء للمقدس في النص –لأن النص کله على درجة واحدة- وإنما تأکيد لمعنى القطعية في الفقه والمنطق والفلسفة على السواء والتي تفرض عدم الخروج على النص وإلا کان ذلک تمردًا على مفهوم القطع ذاته، والقطعية مصدرها البداهة کما في قوله تعالى {فلها نصف ما ترک} حيث لا يکون النصف ثلثًا أو ربعًا أو ثمنًا وإلا اختلت البداهة العلمية، کما أن القطعية مصدرها التواتر کما في الإجماع والتواتر دليل عقلي لا نقلي لأنه يقوم على استحالة افتراض العکس.
   خلاصة القول إن النظام العام في الإسلام جوهره فکرة "الثابت" وهو بالضرورة على خلاف مع کل نظرة فلسفية تفرض النسبية في کل شيء، في النظم والأديان والأفکار والتشريعات والأخلاق والمجتمع کالمذهب الوضعي مثلاً، کما أنها تخالف الحتمية التي لا تفسح مکانًا لإرادة إلهية أو إنسانية، والتشريع الإسلامي يمنع من تطوير الثابت کما يرفض تثبيت المتغير، ويستقل بمصطلحاته في هذا الصدد، حيث يصبح له معجم خاص في کلمات کثيرة کالثبات، والتغير، والحکم، والخلود وبعضها له مکان في التشريع أي في علم الفروع والقوانين، وبعضها يتصل بالعقائد-أو ما وراء الطبيعة بالمفهوم الفلسفي الغربي- ولا يتعلق النظام العام الإسلامي بالکليات فحسب – لأن المسألة نصية لا عقلية - بل يستوعب بعض الأحکام التفصيلية في مسائل لا تتغير کنظام الأسرة في أغلب جوانبه، وبعض الأنظمة في مجالات القانون العام والخاص الجنائي والمدني على السواء.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات