مصرف في سبيل الله

نوع المستند : أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول

المؤلف

باحث شرعي بدار الإفتاء المصرية

المستخلص

هذا بحث في بيان مصرف في سبيل الله ومذاهب العلماء فيه، وقد اشتمل على تمهيد ومطلبين وخاتمة.
والتمهيد فيه بيان معنى السبيل في اللغة، أما المطلب الأول فضم أقوال العلماء قديمًا في معنى سبيل الله شرعًا وآراء المذاهب الأربعة المتبعة في ذلک؛ الحنفية والمالکية والشافعية والحنابلة.
وقررنا فيه ما يلي:
أولا: أن جمهورهم اتفق على أمور ثلاثة
1)   أن الجهاد داخل في سبيل الله قطعًا.
2)   مشروعية الصرف من الزکاة لأشخاص المجاهدين، بخلاف الصرف لمصالح الجهاد ومعداته، فقد اختلفوا فيه.
3)   عدم جواز صرف الزکاة في جهات الخير والإصلاح العامة من بناء السدود والقناطر، وإنشاء المساجد والمدارس، وإصلاح الطرق وتکفين الموتى، ونحو ذلک. وإنما عبء هذه الأمور على موارد بيت المال الأخرى.
وإنما لم يجز الصرف في هذه الأمور؛ لعدم التمليک فيها، کما يقول الحنفية، أو لخروجها عن المصارف الثمانية، کما يقول غيرهم.
ثانيًًا: انفرد الحنفية باشتراط الفقر في المجاهد. کما انفرد أحمد في إحدى الروايتين عنه بجواز الصرف للفقير؛ ليحج به، أو يعتمر, أو يعينه فيهما، وهو المذهب عند الحنابلة – أي أن الحج داخل في سبيل الله -.
ثالثًًا: اتفق الشافعية والحنابلة على اشتراط أن يکون المجاهدون الذين يأخذون الزکاة من المتطوعين غير المرتبين في الديوان.
رابعًا: اتفق الجميع -عدا الحنفية- على مشروعية الصرف على مصالح الجهاد في الجملة.
وأما المطلب الثاني فضم أقوال العلماء -قديمًا وحديثًا- ممن توسع في معنى "سبيل الله" فلم يقصره على الجهاد وما يتعلق به، بل فسره بما هو أعم من ذلک، فمنهم من جعله يشمل جميع القربات، ومنهم من جعله يشمل سائر المصالح العامة؛ وذلک وفقًا للوضع اللغوي للکلمة، ومنهم من قال بجواز دفع الزکاة من هذا السهم لمن کان قائمًا بمصلحة عامة من مصالح المسلمين ونحوها، ومنهم من أدخل الحج في سبيل الله، ومنهم من توسع في معنى الجهاد فقط: فآثر عدم التوسع في مدلول "سبيل الله" بحيث يشمل کل المصالح والقربات. کما أنه رجَّح عدم التضييق فيه، بحيث لا يقتصر على الجهاد بمعناه العسکري المحض.
ثم کانت خاتمة البحث وأهم نتائجه، وبيَّنا فيها أن القول بأن المراد بمصرف "في سبيل الله" هو الجهاد والغزو وما يتعلق بهما هو قول جمهور العلماء، إلا أن أقوال الموسعين في بيان المراد بهذا المصرف قديمًا وحديثًا، وقول الموسعين في معنى الجهاد أقوال معتبرة، ولکل منهم وجهة؛ لذلک فإنه يجوز الأخذ بأقوال الموسعين خاصة في زماننا هذا؛ وذلک بناء على أن أکثر  الفقه مبني على الظن لا القطع بأن هذا بعينه هو مراد الله، فما دام أن الرأي له مستند شرعي ولا يخرج عن دائرة الشريعة، فإنه يجوز تقليده، ولا يعدو هذا إلا أن يکون انتقالا من رأي راجح عند فقيه إلى مرجوح في نظره، وقد يکون راجحًا في نظر غيره.